المقالات

المقالات

حسين عمر يكتب: خرائط الشرق الجديدة ونوايا الغرب القديمة!

Hussein Omar
  • 27 مشاهدة view

2019-07-11

تغير الخرائط في الشرق الأوسط تحتاج إلى حرب كونية جديدة، تحتاج إلى إشعال نيران الحروب البينية في المنطقة، الى تضارب المصالح القوى العالمية النافذة مع وجود الحدود الحالية، الى إرادة دولية.
الخرائط التي رسمت في الحرب العالمية الأولى والثانية لن تتغير بحروب أهلية، ولا بمطالب شعبية، لأنها أصبحت واقعاً بفعل التقادم، وامتداد عشرات السنيين من تاريخ ترسيخها.

ليس هناك خرائط جديدة للمنطقة ولا نية لأية قوة وأمريكا بالمقدمة منها في إجراء أي تغيرات لصالح الشعوب، أو لتحقيق العدالة الإنسانية، لن تنهمر الخرائط على الشعب الكردي ولا الشعب الأمازيغي ولا الفلسطيني، ستبقى أوضاعهم كما هي لأن تشكيل الدول القومية في عصر العولمة والرأسمالية المتوحشة أصبح من الماضي.
الاحتمال الأكثر ترجيحاً هو حصول التغييرات ضمن حدود الخرائط الموجودة، تغيرات تحمل معها إمكانيات التطور نحو الديمقراطية واحترام حقوق الانسان والمساواة بين المكونات البشرية داخل الدولة الواحدة.

بالمقابل هناك قوى فاعلة ونشطة تضخ مليارات الدولارات كي تعيد المجموعات ضمن الحدود المعروفة الى عهود الجاهلية من خلال سيطرة الأفكار الجبرية على مدارك الجماهير وادارته بقوانينها التي تفرمل التطور والتحضر والمساواة. وستجلب معها الانفراج في بعض الأجزاء والاستبداد في الأجزاء الأخرى داخل الحدود المعترف بها والمرسومة. وتتشكل مختلف أشكال الإدارات بقيادة أمراء الحرب وبتخطيط وتوجيه من الداعمين الإقليميين والدوليين .
جراح شعوب المنطقة لن تندمل، ستبقى تنزف، وستستمر الشعوب في تقديم القرابين من أجل الحرية المنشودة وبالمقابل ستعمل قوى الإسلام السياسي، والداعمون لها في زعزعة أمان أية بقعة آمنة أو مستقرة ضمن أية دولة مستهدفة في شرقنا الهجين.

ما نعانيه اليوم هو بسبب انكماش مساحة الوعي النهضوي التحرري في عقولنا، بدل التوجه نحو التمدن والحضارة. تجرنا الفئة المعادية والمرتهنة للخارج نحو الجاهلية. وتبني أساليبها وعادتها. لتبقي على مجتمع مقيد مسيرن همّه الأول إرضاء ولي الأمر وأمير المنطقة.
لم نأخذ العبر من الصومال وأفغانستان التي لعب الإسلام السياسي فيهما دوراً تدميرياً ووحشياً، لم تتغير بهما الخطوط المرسومة للخرائط بل تشظت من الداخل وانقسمت إلى مناطق نفوذ بين القوى المتقاتلة فيما بينها، وانقسامات شعبية اخذت منحا تناحريا يغلب عليها الطابع القبلي في الإدارة من خلال أساليب بدائية في إدارة شؤون الناس او (تثقيه) ولهذا نحن أمام ظاهرة مدعومة من قوى إقليمية ودولية لها مصلحة في انتهاء العقد الاجتماعي الذي ترسخ على مدى أعوام بين مكونات الدولة الواحدة.

تم إيقاظ الإحساس بالغبن المفترض بعد عقود من ضمورها الظاهري، وظهر السيف المرفوع من جديد لنفس السبب الذي كان مرفوعاً لأجله منذ أكثر من ألف عام، ونصّب الإسلام السياسي نفسه وكيلا عن الله وسلط سيفه المرفوع على رقاب الناس.
كان هناك رغبة وما زالت لقيام حكومات للإخوان المسلمين في المنطقة على غرار حكومة اردوغان، سموه الإسلام المعتدل.
استلم الغنوشي بدعم من (اليسار) الحكم في تونس الدولة الأكثر علمانية في المنطقة. واستلم سراج في ليبيا ومرسي في مصر. ولكن الجيش المصري والقوى الديمقراطي والعلمانية (استثني هنا قوى اليسار على شاكلة المرزوقي ورياض الترك من بين تلك القوى) في كل من مصر وتونس أفشلت المخطط الذي كان يراد منه أن يتطور ويتعزز دون تدخلهم الظاهري (الغرب)
لم تعد لنظرية فرق تسد أسباب التطبيق كما كان الحال بداية ظهور الاستعمار الحديث بل تقوم القوى المتحكمة بالاقتصاد العالمي بمحاولات إزالة الحدود بين الدول، وتقريب القوانين لأنظمتها، حتى يتسنى لها سهولة التحكم بتوجيهها، وعدم الوقوع في تفاصيل الخلافات بين هذه الدول وتلك.
لذلك عملية تأسيس إمبراطورية إخوانية تحت السيطرة، هو ما يسعى إليه النظام الغربي. لأن فكر الإخوان المسلمين ونظريتهم السياسية مبنية على التابعية، والارتباط بالقوى المؤثرة. فهي نشأت في حضن المخابرات البريطانية وما زالت تعمل بتوجيه من المخابرات البريطانية والأمريكية.

المشروع الإسلاموي الأخواني هو المشروع الوحيد الذي يعقد الغرب الآمال عليه في سبيل أحداث تغيرات جوهرية في بنية أنظمة الحكم الاستبدادية في المنطقة، وخلق نظام سنّي ينافس النظام الشيعي لتحويل الصراع المذهبي الى صراع وجودي بين طرفي الوكلاء لكن فشل المخطط الغربي الذي كان يريد إيصال الأخوان إلى الحكم في كل دول المنطقة حتى الآن، دفع الإسلام السياسي ليصبح دمويا ووحشيا أكثر من أي وقت مضى، ولأول مرة تتحد القوى السلفية والأخوانية في معركة، الهدف منها هو تدمير البنية التحتية للمجتمعات، واستخدام كافة الوسائل في سبيل الوصول الى كرسي الحكم.
دعمت قطر وتركيا “أردوغان وحزب العدالة والتنمية” تنظيم الأخوان المسلمين، دعما كل المجاميع الإسلامية الراديكالية الإرهابية في سوريا والعراق ومصر وليبيا وتونس وحتى في دول افريقية.
اختلط الإرهابي الاخواني مع الإرهابي السلفي بالرغم من العداوة التاريخية بين نهجي الطرفين. لكن جمعهما هدف واحد، وهو السلطة بتوجيه من ممولين محددين.
هكذا أعلنت الخلافة في الشام والعراق كخطوة أولى في سبيل تمزيق الحدود المرسومة، لتكون هناك قوة جبرية جاهلية تتحكم بمصير مجموعة كبيرة من البشر من مختلف الاقوام والطوائف.
باء هذا المشروع بالفشل. عند ذلك توقفت تلك الدول عن دعم أي مشروع آخر. لن تسمح بتغيير الخرائط حتى لا يتمتع شعوب البلدان المضطهدة بحريتها، بل ستسمح بإعادة القوة التي تزيل الخرائط، وتعيد المجتمعات الى عهود غابرة.

حسين عمر