المقالات

المقالات

بدأت المعركة التي لا مفر منها

Hussein Omar
  • 105 مشاهدة view


أنعشنا رحيق الازاهير المتناثرة بين الصخور المنتشرة على كتف الوادي ودفعنا للبحث عن مساحة صغيرة نتخذها مجلسا لاستراحتنا التي لن تطول. اجبرنا الانتشار الكثيف للصخور بشكل عشوائي في تلك البقعة الجميلة على ان نصل الى أسفل الوادي، لأننا لم نتمكن من إيجاد فسحة نستطيع فيها الجلوس تكون محمية من الجهة المقابلة لنا.
لم نكن نرغب ان نأخذ استراحتنا بالقرب من النهير المار في أسفل الوادي والذي افرد مساحة لشق طريق يربط نسبين بمدياد وكربوران وصولا لكرجوس وحسن كيف ومن ثم نحو باتمان كما أن الآتي من هناك عبر الطريق المذكور وبعد الوادي بمحاذاة النهير -آفا سبي- يصل الى الطريق الدولي الذي يقطع نسيبن باتجاه مدينة جزرة ومن ثم نحو إقليم كردستان العراق وكذلك يمكنه ان يختار التوجه نحو ماردين ورها …..
لهذا كان الطريق على الاغلب لا يخلوا من مرور السيارات وخاصة العسكرية منها التي تخرج في مهمات قتالية او لوجستيكية وتتجه نحو المخافر والقطع العسكرية الموزعة في القرى والبلدات في المنطقة. لم نجد حلا اخر سوى أن نجد مكانا مخفيا من الطريق الذي يمتد على الطرف الآخر من النهر، كان مازال امامنا طريق طويل وشاق.
اخذ قسطا من الراحة مع أكل لقمة من خبز الصاج الذي جهزناه قبل انطلاقتنا من نقطة الشهيد زانا في جبل اومريا لنستعيد قوتنا ونصل الى جبل باكوك دون أي تلكأ او بطأ كانت ضرورة لا بد منها.
ولهذا غامرنا وجلسنا بالقرب من حافة النهر، تكومنا على بعضنا البعض حتى نخفي أي بريق من اسلحتنا عن المناظير الليلية التي يستخدمها العدو، ونخفي شعلة سكائر من يدخنون. لم يكن سهلا اخذ قرار بهذا الكم من المخاطر ولكن انتفاء الحلول يدفع المرء او بالأحرى المقاتل الى اتباع أسلوب المغامرة في اخذ بعض القرارات حتى لو كانت نسبة المخاطرة فيها عالية او نسبة تحقيق الهدف المرجو منه قليلة، ومن تلك القرارات القرار الذي اتخذناه بأخذ قسط من الراحة بجانب النهير الذي يبتعد عن الطريق أقل من مئة متر على أكثر تقدير.
تكومنا على بعضنا مع الانتباه الى عدم اصدار اية خشخشة او أهه او همسة، لان العدو زيادة على انه يسير دوريات مدرعة على الطريق بشكل مستمر فهو أيضا يضع كمائن على أطراف الطريق أيضا. أي لا يمكن استبعاد وجود كمين على الطرف الاخر من النهر بانتظار قطعنا له ووقوعنا في مرمى نيرانه. اثناء توجهنا نحو الجهة الاخرى والتي تبدأ بطلوع قاسي الى اعلى جبل باكوك.
على الرغم من هذه المخاطر جميعا اخذنا قسطا من الراحة، دخن المدخنون بعد مشقة المسيرة الطويلة.
تأهبنا للمسير مرة أخرى.
كان علينا ان ننقسم الى مجموعات صغيرة لنستطيع عبور الطريق دون ان نصبح هدفا للكمائن المحتملة للعدو في الأطراف او تلتقطنا ضوء سيارة عسكرية وحينها ستفرض علينا معركة غير متكافئة. اخذ الرفيقان غيفارا وباور نقطة عالية بجانب النهر لحماية الرفيقين عكيد ودوران اللذان سيقطعان النهر الى الطرف الاخر وبعدها سيأخذ عكيد وضيعة الكمين وفي برهة من عدم وجود أصوات محركات السيارات سيقطع دوران الطريق ويتسلق حافة جبل باكوك على ارتفاع ستين او سبعين مترا عن الطريق ويأخذ وضعية مراقبة الطريق وحماية الرفاق الذين سيتبعونه.
لم يكن سهلا تنفيذ الخطة لان الطريق هذه الليلة ودون عوائده لا تنقطع أصوات المحركات عنه وهو ما يشكل خطورة على اية محاولة للعبور لان اغلبية المحركات هي للسيارات والمصفحات العسكرية، كما ان الوقت مهم جدا لنا، علينا ان نصل الى نقطة آمنة داخل الجبل قبل بزوغ الفجر حتى لا ننكشف لمراصد العدو وطائراته الكشفية المستمرة في الطيران فوق المنطقة، انتظرنا أكثر من ساعة دون ان تهدأ تحركات العدو السيارة، وكأنهم شعروا بان مجموعة من المقاتلين سينتقلون من اومريا الى باكوك.
لا نستطيع البقاء في مكاننا ولا ان نتراجع الى الخلف لأننا سنبقى مكشوفين للعدو لهذا علينا المغامرة واستغلال المسافة بين آليتين لقطع الطريق والوصول الى نقطة تمركزنا المتفقة عليها.
تحركنا، ليس امامنا خيار آخر، توجه عكيد ودوران الى جانب الطريق وكما هو متفق عليه بعد عدة دقائق اعطانا دوران إشارة وصوله وتمركزه اعلى الطريق وبذلك حققنا اول خطوة بنجاح التحق شفكر بعكيد، وأيضا بعد دقائق على الرغم من تحركات اليات العدو اعطى عكيد إشارة وصوله ولكنه أكمل سيره متسلقا الجبل ليتخطى دوران بحوالي المائة متر وتبعهما الرفاق واحدا تلو الآخر كلما وجد أحدهم هدوءا على الطريق.
هدأت أصوات المحركات شيئا فشيئا ولم يعد يسمع حتى من البعيد، كما ان الرفيق خالد كان قد وصل الى نقطة قريبة من سفح الجبل يستطيع منها رؤية الاليات التي تسير على الطريق من الجهتين على مسافة كيلومترات، بذلك تأكدنا عدم وجود كمائن للعدو في الجوار، دفعنا ذلك على التحرك بسرعة وتسلق الجبل كما هو متفق عليه دون ان نحدث جلبة مع البقاء على المسافة بيننا كما هي العادة.
زال هم كبير عن كاهلي بعدما تأكدت من ان جميع الرفاق قد وصلوا الى الحافة العليا من الجبل، تابعت خطى المجموعة مع الرفيق جمعة الذي رفض ان يسير امامي، وصلنا الى الرفيق دوران، طلبنا منه ان يتبعنا، تابعنا التسلق وكلما تخطينا رفيقا يترك موقعه ليتبعنا في المسير، وصلنا الى مشارف السفح المطل على الوادي مع ظهور بوادر بزوغ الفجر،
-علينا الإسراع،

  • احتمال وجود كمائن للعدو على سفح الجبل،
    -علينا اجتياز الكمين ان وجد والتغلغل في عمق الجبل حتى ولو جرت معركة غير متكافئة بيننا، سنجتاز الكمين وننحدر الى الداخل -داخل الجبل – على الجميع التقيد بالخطة الموضوعة في حال وجود الكمين، على الجميع الإسراع نحو المنحدر، كما تعلمون عند قطع السفح ندخل في تضاريس وعرة لهذا إذا لم تصبنا الرشقة الأولى من نيران العدو لن ننصاب بعد ذلك ستحمينا الصخور المتناثرة وشجيرات البطم المنتشرة. احذروا من الرشقة الأولى، تهيأوا لذلك مع وصولكم الى السفح اعتبروا بانكم ستواجهون النيران مباشرة وعلى ذلك الأساس عليكم التصرف. هيا يا رفاق علينا الإسراع.
    ترددت قليلا هل اذهب في المقدمة كما العادة ام أبقي في المؤخرة واطمئن على تخطي آخر رفيق سفح الجبل. قررت ان أبقى في المؤخرة على العكس من القاعدة المتبعة.
    تحرك دوران ومن خلفه عكيد وتبعهم بقية الرفاق بهدوء.
    تنفيذ التعليمات في مثل هذه الحالات هو الخلاص الوحيد وهو الانتصار الأكيد للمجموعة. وهو ما تم خلال مسيرتنا التي دامت حتى الآن أكثر من أربعة عشرة ساعة اخذنا فيها قسط الراحة التي ذكرناه لكم بالقرب من آفا سبي.
    جاء دوري للتسلل وقطع السفح ومن خلفي كالعادة الرفيق الذي لا يفارقني جمعة. تخطينا السفح ولكننا لم نتخطى الخطر، وعلى غفلة منا تلألأت السماء بالطلقات المضيئة، وتتالت رشقات الأسلحة الخفيفة والثقيلة اتجاهنا لا نستطيع التوقف او فتح معركة معهم هذا يعني إبادة جماعية لنا لن نستطيع ان نتخلص من مدى نيرانهم وخاصة نعلم بان سلاح الجو في هكذا أحوال يصل الى منطقة الاشتباكات خلال مدة قصيرة. لهذا تابعنا السير زاحفا أحيانا وراكضا أحيانا أخرى نحو الداخل ونحو مناطق أكثر وعورة حتى نضيع أثرنا. حملنا اخصان مورقة من الشجر حتى نموه أنفسنا مع شكوكنا بوجود طائرات كشفية فوق المنطقة.
    بدأ زئير الطائرات الحربية تصلنا وفي الجهة المقابلة وصلت طائرة هليكوبتر وتم إنزال مجموعة من قوات العدو فوق التلة المقابلة.
  • لقد وقعنا في الحصار، قالها شفكر.
  • استمروا في المسير نحو العمق، لا أحد يطلق النار موهوا أنفسكم جيدا حافظوا على المسافة بينكم. كنت اركض واتخطى افراد المجموعة واحد تلو الآخر يتبعني جمعة كالطيف. وكلما أصل الى أحدهم أقول له: استمروا نحو العمق. حتى وصلت الى المقدمة، طلبت من الرفيق دوران ان يقودنا الى نقطة نستطيع فيها إذا فرض علينا ان نقاوم ونقاتل العدو. يبدو لي انها معركة حياة او موت.
    في هذه اللحظات بدأت الطائرات الحربية بقصف المنطقة ولأول مرة منذ تمركز الثوار في باكوك يقوم العدو بقصفها بالقنابل تصل أوزانها الى أكثر من نصف طن وهي معروفة في لغتنا باسم القازان. ومع القصف المتواصل من الطائرات الحربية بدأت أربع هيلوكوبترات بالحوم فوق المنطقة هي أيضا تحمل الأسلحة والصواريخ ويمكنها ان تصيب الهدف بدقة وكذلك فهي تقوم بأنزال القوات الخاصة على التلال التي تحيط بنا
  • علينا تجنب المعركة لأنها خاسرة، علينا بالتوغل ومحاولة الابتعاد عن مواقع قوات العدو. علينا الإسراع في عدم الوقوع في حصار ضيق. الخروج من الحصار يعني الخروج بأقل الخسائر وفتح المعركة يعني بان الخسائر ستكون كبيرة. الخروج من الحصار بأسرع ما يمكن مع الاستعداد للمعركة التي لا بد منها في موضع نكون فيه متحكمين بالأرض ويكون العدو على الأرض تحت نيران اسلحتنا ضرورة وسيقلل من خسائرنا بعكس ذلك لا يمكننا تقدير النتائج ابدا،
  • بقي امامنا جهة الجنوب والشرق بعد ان احكم العدو السيطرة على جهة الشمال والغرب،
  • يتواصل قصف الطيران وتتواصل الهيلوكوبترات بالتحليق فوق المنطقة، يبدوا انهم قد فقدوا أثارنا وهذا ما نستنتجه من أحاديثهم اللاسلكية التي نستمع اليها.
  • -علينا الانقسام الى مجموعات صغيرة تتجه شرقا وجنوبا، على جميع الرفاق المحافظة على حياتهم، بقاءنا احياء هو ما يميت العدو، استشهادنا يحقق للعدو أهدافه مهما كانت الشهادة قيمة عظيمة، حاولوا السير دون ان تصطدموا مع العدو.
    توزعنا الى مجموعات صغيرة وتوجهت المجموعات منفردة نحو الجنوب والشرق، اقتربت الساعة من الثالثة عصرا وما زلنا نراوغ العدو دون ان نشتبك معه.
    -لقد تخطينا الساعة الصعبة وحتى لو اشتبكنا بعد الآن سنكون في وضعية أفضل وخاصة مع حلول المساء حينها نستطيع ان نبتعد عن المنطقة لا بل ان نصل الى/وادي هسبست/Niwala Quriyê او نصل الى المنطقة السهلية المواجهة لقامشلو، المنطقة التي لن يشك العدو باننا سنتمركز فيها نهارا.
    وانا اتحدث عن تلك الخطط، اشتبكت احدى المجموعات التي انطلقت شرقا مع العدو، صوت رشقات الكلاشينكوف اخبرتنا بان المعركة قد بدأت ولا مفر منها. بدأت المعركة التي أجبرت حينها على ان ينسحب العدو من باكوك وان يزيل قواعده العسكرية التي كانت قد انتشرت قبل سنتين عندما جرت المعركة الكبرى بين قوات ماردين حينها بقيادة الرفيق صبري والعدو أسفر حينها ولأول مرة عن اسقاط طائرة هيلوكوبتر وعدد كبير من القتلى والجرحى لقوات العدو ، الذي لم يسحب قواته حينها بل اقام عدة قواعد داخل الجبل .الا ان المعركة الأخيرة والتي لم يكن خسائرنا فيها كثيرة بسبب المراوغة بالدرجة الأولى حتى الليل وخرق الحصار ومن ثم الالتفاف وضرب نقاط تمركز العدو اجبره على ان يقوم بتجمع قواته خارج الجبل و يحاصر الجبل من اطرافه .كانت لحظة تاريخية بالنسبة لإيالة ماردين.
    حسين عمر
    3/11/2022