تأجيل لقاء باريس… هل بدأ العدّ العكسي لحكومة الجولاني؟
- مقالات سياسية
- 24 يوليو 2025
-
11 مشاهدة
بقلم: حسين عمر
جاء تأجيل اللقاء المنتظر في باريس بين ممثلي الإدارة الذاتية وحكومة الجولاني ليفتح الباب أمام مرحلة جديدة من المراجعة السياسية، ليس فقط على مستوى الطرفين المعنيين بالمفاوضات، بل على صعيد الفاعلين الإقليميين والدوليين الذين يعيدون اليوم تقييم تموضعهم في الملف السوري المعقد.لم يكن هذا التأجيل وليد صدفة، بل جاء وسط تزايد التقارير الأممية والإعلامية التي كشفت، بالأدلة، عن انتهاكات ممنهجة ارتكبتها حكومة الجولاني في الساحل والسويداء. وقد فجّرت وكالة رويترز قنبلة سياسية حين كشفت عن نشوء ما يشبه “دولة عميقة” يقودها مقربون من الجولاني، يُعتقد أن والده أحد أركانها، وهي تستحوذ على المال العام والخاص دون أدنى محاسبة أو وجود قانوني، في مشهد يعيد إلى الأذهان أسوأ صور الفساد السلطوي.لكن الأخطر من ذلك، أن الدم السوري عاد ليُراق في مجازر ذات طابع طائفي، لم يعد من الممكن تجاهلها دوليًا. وصلت تقارير موثقة إلى عواصم القرار، ويجري التعامل معها بجدية، وسط نقاش متصاعد حول ضرورة محاسبة المتورطين.وفي واشنطن، لم تمر تصريحات توم باراك ـ التي بدا فيها وكأنه ناطق رسمي باسم الجولاني ـ مرور الكرام. تشير المعلومات إلى أن الخارجية الأميركية وجهت له تحذيرات واضحة، وهو ما يفسر تغييره المفاجئ في اللهجة خلال الأيام الماضية. يبدو أن الدعم المفتوح لمشروع الجولاني بدأ يتآكل، تحت ضغط الحقائق التي يصعب إنكارها.الإدارة الذاتية بدورها، أبدت قدرًا من النضج السياسي بعدم الانجرار نحو تفاهمات مستعجلة مع حكومة تفتقر إلى المشروعية، وتقوم على أسس إيديولوجية إقصائية لا تعكس هوية المجتمع السوري بتعدده وتنوعه. فحكومة الجولاني، مهما ارتدت من أثواب، تبقى واجهة لتحالف سلفي-إخواني لا يمكن أن يُبنى عليه مشروع وطني سوري جامع.ما ينتظر حكومة الجولاني في الأسابيع المقبلة لا يبدو مطمئنًا. فالعقوبات الأميركية قد تُمدد، وترامب نفسه ـ رغم خطابه المتذبذب ـ بدأ يُظهر فتورًا في دعمه لهذا المشروع، خاصة بعد إعادة تقييم الوضع الميداني وخطر تمدد الفوضى.على الأرض، تتعزز المخاوف من عودة داعش إلى الساحة، في ظل بيئة أمنية هشة تتحمل حكومة الجولاني جزءًا كبيرًا من مسؤوليتها. ووسط هذا المشهد القاتم، تتهاوى ورقة التهديدات التركية التي لم تتعدَ حدود الإعلام، في وقت تعاني فيه أنقرة من ارتباك استراتيجي وانكشاف إقليمي، دفعها إلى تغطية فشلها بتشجيع الجولاني على خطوات دموية في الساحل والسويداء.اليوم، بات واضحًا أن تأجيل لقاء باريس لم يكن تعطيلًا لمسار تفاوضي، بل بداية لتحوّل أوسع. تحوّل قد يُعيد خلط الأوراق، ويضع ملف “حكومة الجولاني” في دائرة المساءلة الدولية، بعدما تجاوزت تجاوزاتها كل الخطوط الحمراء.