المقالات

المقالات

هل العشائرية دين؟

Hussein Omar
  • 41 مشاهدة view

مازالت الثقافة العشائرية البنيوية هي مصدر تفكيرنا وتقيمنا وتحليلاتنا ونظرتنا للأمور والأحداث , تلك الثقافة المؤسسة على التابعية والموالاة والتمجيد , تمجيد رئيس العشيرة وعائلته ووضع هالة من القدسية حولهم والسير خلفهم , واعتبار كل ما يقررونه ويفعلونه هو خير لأفراد العشيرة ولمصلحتها حتى لو باعوا مضارب القوم , تقوم الرعية بلملمة حاجياتها وربطها على ظهور نساءها والسير خلف قافلة عائلة زعيم العشيرة نحو المجهول لعدم جرأته في السؤال عن مكان توجه العشيرة . ويبقى منبهرا بقيادة الزعيم وهو يقودهم نحو المجهول ولهذا يقول الرجل لزوجته التي تأن تحت ثقل الحمل المحمول على ظهرها : انظري كيف يقودنا الزعيم إلى مضارب أكثر رخاء” وماءا” لينقذنا ويعطينا عمرا جديدا , بهذا المنطق تتقرب الرعية من الزعيم وهذه هي حالة الأغلبية المطلقة من مثقفينا، ناهيكم عن عوام الشعب بكادحيه وفلاحيه . وقد أثبتت الأيام الماضية وماجرى في باشوري كردستان على أن هذه الخاصية هي المديرة لعقل أغلبية الكرد. ما جرى منذ ما قبل الاستفتاء وحتى اللحظة يحتاج إلى مراجعة موضوعية مستندة على الواقع لا على العاطفة أو الموروث العشائري في تبرير صفقات الزعيم. ما جرى اثبت أن القيادة العشائرية والعائلية والدينية لم تعد صالحة لهذا الزمن الذي يدار بأجهزة تحكم من وراء الحدود. ما جرى لم يكن بفعل الخيانة من اجل الخيانة، بل لان البنية العشائرية في التراتيبية العسكرية والحزبية هي التي فرضت تعدد الآراء والقرارت والتحرك وهذا ما استفاد منه العدو الذي دخل المضارب كغازي ينهب ويشرد ويقتل لان المضارب بقيت دون حماة ودون توجيه. البنية العشائرية في التراتبية السياسية هي التي تخلق حالة من عدم الثقة الدائمة بين تحالف العشائر، ولهذا لا يوجد في التاريخ امثلة على أن العشائر المتكافئة بقيت على اتفاقاتها معا لمدد طويلة، وعند مراجعة التاريخ الكردي يمر ذكر تلك الصراعات وانقلاب العشائر على بعضها كعادة دارجة كما انه يبين اصطفاف أحدهما إلى جانب العدو ومساوماتها مع العشائر المتخاصمة وهذه التحولات هي احدى ركائز المنظومة الفكرية العشائرية المتكونة على مر السنين في البنية المجتمعية الكردستانية . واحدى خصوصيات الوعي العشائري واخطرها على وجود المجتمع ككل هو عدم وجود الثقة بين زعماء مختلف العشائر ومحاولة كل عشيرة أضعاف نفوذ العشيرة الأخرى حتى لو حصل ذلك بمساندة العدو, عدو العشيرتين. من جهة أخرى لا يتضمن صفحات التاريخ تأسيس العشائر لأنظمة سياسية اقتصادية اجتماعية جامعة تضم مجموعة من العشائر المتساوية الواجبات والحقوق , بل كان دوما حتى بوجود نظام سياسي يقوده زعيم عشيرة معينة مع بقاء –اذا وجد –العشائر الاخرى الضعيفة موجودة ضمن حدود رقعة –الوطن – مضطهدة وياتي تراتيبية مواطنوها في الدرجة الثانية او الثالثة من القيمة الاجتماعية ومحرومة من القيمة السياسية . واهم المهمات التي كانت تلك السلطة تقوم بها في اوج قوتها هي المحافظة على مضاربها والدفاع عنها وحماية مكتسبات زعيم العشيرة وعائلته، لم تستطع أية عشيرة عبر التاريخ تشكيل دولة بمواصفات الدولة الشاملة بنفسها بل بعض العشائر التي تحولت مضاربها إلى دول كالعشائر العربية في الخليج، فرض عليهم التحول فرضا من الدول الاستعمارية حينها بريطانيا وفرنسا.وفي هذه الجزئية قامت القوى الاستعمارية بفرض زعماء معينين او عوائل معروفة من العشيرة او القبيلة على بعض المناطق التي صارت دول كالإمارات وقطر وسلطنة عمان والسعودية والأردن , لقد كان لوجود العسكر والمستشارين من الدول الاستعمارية الدافع والحارس الأمين لتحويل المضارب إلى دول ونقل الرعية من الخيم إلى البيوت الطينية أو الحجرية .وكان لهم الدور في فرض إعطاء العطايا للرعية من المردود الذي بدأت تكتسبه زعامة العشيرة ولهذا بقيت تتقدم في بناء المؤسسات بدل الإسطبلات وكونت دول تسيطر عليها الزعامة العشائرية ولكن يديرها مجموعة من الخبراء المساعدين وأبناء العشيرة الذين حصلوا على معرفة الإدارة في المتربولات الاستعمارية كمنح دراسية للدول الاستعمارية لمواطني العشيرة-الدولة-هذه حالة العشائر التي فرضت عليها التحول إلى دولة. أما بالنسبة للعشائر التي بقيت تحاول أن تشكل دولة فلم تنجح عبر التاريخ والطوارق بين ليبيا والجزائر والسنغال مثالا. العشائر الكردية المتعددة امثله أخرى راجعوا مقاومات العشائر للاحتلال الفارسي والعثماني وحتى الفرنسي والبريطاني ستجدون نتيجتها دائما الفشل والسبب هو الصراع بين القوى العشائرية المتحالفة وداخل كل عشيرة على حده ذلك الصراع الذي كان ينتج بين الزعماء او العائلات الغنية في العشيرة حول النفوذ والإدارة , لعدم وجود قوة كالاستعمار تستطيع توجيه زعمائها وفرض عملية التحول عليها فقد كان تعامل الاستعمار مع العشائر الكردية تعامل أني لعدم ثقة زعماء تلك العشائر بالدول الاستعمارية الغربية وتفضيل السلطنة العثمانية والامبراطورية الإيرانية عليهم مما أدى الى شل عملية التواصل وبالتالي انتفاء حاجة المستعمر لتحويل تلك العشائر الى حالة حضرية –دولة – كما فعلت في الخليج واسيا وحتى بعض أجزاء افريقيا .هناك نظرية ترجح أن يكون احد اهم أسباب عدم قيام الدول الاستعمارية بأنشاء دولة لأية عشيرة كردية أو مجموعة متحالفة من العشائر تعود إلى الطبيعة الجغرافية الصعبة لكردستان والتي لم تكن تجذب تلك الدول لأنها لم تكن تملك حينها أدوات السيطرة عليها , ومن الأسباب أيضا هو تراجع العشائر من المناطق السهلية إلى المناطق الجبلية لتنزوي فيها وهذا ما ساعد على بقاءهم محافظين على البنية الثقافية العشائرية المحلية واعتبار الزعيم هو ممثلهم وولي نعمتهم حتى الآن في الكثير من مناطق كردستان .يبدو أن تلك السلبية النافرة للتحول مازالت تنتقل كفيروس مع الأجيال حتى الحالة الكردية الراهنة بالرغم من وجود صراع جدي وقوي بينها وبين القوى الحاملة للمضادات الحيوية ضد ذلك الفيروس ألا أن الكثيرين يحافظون عليه اقصد الفيروس (الأصولية العشائرية) ويقاومون المضاد الحيوي لا بل يعتبرونه وباءا. ما جرى في باشور يمكن تصنيفه تحت هذه الخصوصيةة، بالرغم من مساعدة أمريكا ووجود دستور وقوانين سارية وبنية دولة، ألا أن التحالفات العشائرية والعائلية بقيت مفككة لعدم وجود الثقة والتنافس على السلطة ومنها الإيرادات المالية. ضياع كركوك وشنكال وخانقين وجلولا وسهل شنكال وصولا إلى زمار التي هي كما هو معروف جزء من مرابع ومضارب قبيلة ميران الكردية العريقة. حصلت بسبب تلك المنافسة ولا شيء آخر. حسين عمر

24/10/2017