السذاجة السياسية: لعنة تاريخية تلاحق الوعي الكردي
- Uncategorized
- 22 أغسطس 2025
-
44 مشاهدة
تُعدّ السذاجة السياسية من أبرز العوائق التي قيدت مسيرة الشعب الكردي نحو الحرية، وشكلت جرحًا غائرًا في جسد حركته التحررية. لطالما كانت هذه السذاجة الأداة الأكثر فاعلية التي استغلها الخصوم لإفشال أي تقدم كردي نحو التحرر، وحائلًا دون تكوّن وعي وطني متين قادر على مجابهة التحديات. ونظرة عابرة على صفحات التاريخ تؤكد أن الثقة العمياء بوعود الغزاة والمحتلين لم تُنتج سوى سلسلة متكررة من الخيبات والانكسارات.من البدليسي إلى البرزاني: إرث من الخذلانتتجلى أحد أبرز نماذج هذه السذاجة في شخصية إدريس البدليسي، الذي راهن على وعود السلطان العثماني. إذ أغرى السلطانُ البدليسي بمنصب “ملك على كردستان” مقابل مساعدته في حسم صراعه مع الصفويين. فانخرط البدليسي – بحسن نية أو بسوء تقدير – في جعل كردستان ساحة لنزاع الإمبراطوريات، مما أدى إلى انقسام العشائر الكردية وتحول أرضها إلى ميدان معركة دامية. لكن النهاية كانت مأساوية: تنكر السلطان لوعوده، ووجد البدليسي نفسه منبوذًا، خاسرًا لمكانته ومطرودًا من بلاط الباب العالي الذي ظنه حليفًا.ولم يقتصر هذا النمط على حقبة بعينها، بل تكرر في عصور لاحقة. فمصير عبيد الله البرزاني يقدم مثالًا صارخًا آخر؛ حيث انخدع بوعود صدام حسين، متجاهلًا تحذيرات والده، ليُغتال غدرًا على يد النظام ذاته. لم تكن هذه الحادثة مجرد مأساة شخصية، بل كانت حلقة أخرى في سلسلة طويلة من الأخطاء السياسية الفادحة، دفع الشعب الكردي ثمنها غاليًا.من الماضي إلى الحاضر: استمرارية النمطوالأمر المؤلم أن هذه الآفة لم تنتهِ عند حدود التاريخ، بل لا تزال تتجلى بأشكال متعددة حتى اليوم. فكثير من القادة السياسيين أو رجال الدين والعشائر قبلوا أن يكونوا أدوات في يد الخصوم، إما سعيًا وراء منافع شخصية، أو نتيجة قصور في الإدراك السياسي جعلهم يثقون بمن يسعى لإفنائهم.ووقائع ما جرى في عفرين خير دليل على استمرار هذه المعضلة. فبعد دخول القوات التركية والفصائل التابعة لها، توقع بعض السكان أنهم سيلقون ترحيبًا ووعودًا بالحماية. لكن الواقع كان قاسيًا: تمثل بما حدث من تهجير قسري، وسرقة ممنهجة، وإهانة للكرامة، وتدمير للبنية الاجتماعية والاقتصادية. ومع ذلك، لا يزال بعض البسطاء ينتظرون الخلاص من ذات القوى التي أوقعتهم في المأساة.جذور السذاجة السياسيةتعود هذه الظاهرة إلى جذور متشابكة، من أبرزها:الهيمنة العاطفية: تقديم الوعود العاطفية والجميلة على الحسابات الواقعية والاستراتيجية.ضعف الخبرة السياسية: غياب مؤسسات وطنية قادرة على تحليل موازين القوى وقراءة مصالح الدول بدقة.الانقسامات والمصالح الضيقة: تغليب المكاسب الفردية أو العشائرية على المصلحة القومية العليا.ضعف الذاكرة الجمعية: إهمال دروس التاريخ وتكرار نفس الأخطاء عبر الأجيال.نحو وعي وطني رصينإن التحرر الحقيقي للشعب الكردي لا يتحقق بالشعارات أو المعارك وحدها، بل يبدأ من تحرير العقل من قيود السذاجة السياسية التي جعلت الكرد أداة في أيدي الآخرين. ولا يكفي نقد الوضع الراهن، بل يجب العمل على:ترسيخ ثقافة سياسية واعية تقدم المصلحة الوطنية على المصالح الضيقة.تعزيز الذاكرة التاريخية عبر التعليم والإعلام، لاستخلاص الدروس والعبر.بناء مؤسسات كفؤة وقادرة على التفاوض من موقع القوة والندية، لا التبعية.تحقيق وحدة داخلية حقيقية بين مكونات المجتمع الكردي، فالتشرذم هو البيئة المثلى لاستمرار السذاجة.ختامًاحان الوقت لكسر هذه اللعنة التاريخية. فشعب يمتلك تاريخًا عريقًا وحركة تحرر متجذرة، لا ينبغي أن يبقى رهين وعود الأعداء ومكائد القوى الإقليمية والدولية. لن تُمنح الحرية على طبق من فضة، بل تُنتزع بإرادة واعية وعزيمة صلبة. وإن لم يتم تجاوز هذه السذاجة السياسية، فستستمر الحلقة المفرغة من الخيبات. أما إذا تم التحرر منها، فستكون تلك اللبنة الأساس نحو مستقبل يليق بتضحيات الشهداء وأحلام الأجيال القادمة.