كردستان بين الماضي الإمبراطوري والمستقبل الديمقراطي
- مقالات ثقافية
- 11 أكتوبر 2025
-
8 مشاهدة
بقلم: حسين عمر
منذ أكثر من قرن، شكّلت اتفاقية سايكس–بيكو نقطة التحول الأخطر في تاريخ الشرق الأوسط الحديث، إذ قسّمت الجغرافيا ووزّعت الشعوب وفق مصالح القوى الاستعمارية لا وفق إرادتها. ومن بين أكثر المتضررين من تلك الاتفاقية كان الشعب الكردي، الذي جرى تمزيق موطنه التاريخي بين أربع دول، ففقد وحدته السياسية والجغرافية، وبات موزعاً بين خرائط جديدة لا تعكس واقعه القومي أو التاريخي.
في المقابل، يرى العديد من الباحثين والمؤرخين أن تطبيق الميثاق الملي العثماني – الذي أقرّه البرلمان العثماني عام 1920 – كان سيمنح الكرد فرصة إدارة مناطقهم ضمن صيغة حكم لامركزية أو شبه فيدرالية، كما كانت عليه الحال في أواخر عهد السلطنة العثمانية.
ففي تلك المرحلة، تمتعت كردستان العثمانية بإدارة ذاتية واسعة، وامتدت حدودها الجنوبية من لواء إسكندرون على البحر الأبيض المتوسط، مروراً بشمال حلب وصولاً إلى الفرات، ثم إلى ناحية الزوز (التي عُرفت لاحقاً بدير الزور)، كما شملت مناطق نينوى وتكريت حتى الحدود الإيرانية. كانت هذه المناطق تُدار من قبل أبنائها الكرد، بخلاف بعض الولايات العربية التي كان على رأسها ولاة عثمانيون من أصول تركية أو كردية.
لم يكن الدور الكردي في إدارة الدولة العثمانية هامشياً، بل كان بارزاً ومؤثراً. فقد تولّى الكثير من القادة والولاة الكرد مناصب مهمة في ولايات مصر والسودان وبلاد الشام والبلقان، ومن أبرزهم محمد علي باشا، الذي حمل لقب “باشا” – وهو لقب كان يُمنح للقادة العثمانيين والكرد حصراً.
ومن هنا، يصعب تجاهل حقيقة أن الكرد كانوا جزءاً أصيلاً في منظومة الحكم العثماني، وكانوا شركاء في إدارة الدولة لا مجرد رعايا.
اليوم، حين يتحدث بعض المسؤولين الأتراك – وفي مقدمتهم الرئيس رجب طيب أردوغان – عن “تحالف تركي–كردي–عربي”، فإن ذلك يعيد إلى الأذهان مرحلة من التاريخ كانت فيها هذه المكونات جزءاً من نظام إداري واحد، وإن اختلفت الدوافع الحالية عن تلك التاريخية. فحين يذكر أردوغان هذا الترتيب (الترك، ثم الكرد، ثم العرب)، فإنه لا يفعل ذلك عبثاً، بل استناداً إلى قراءة تاريخية عميقة لتوازن القوى في المنطقة، حتى وإن كانت سياساته المعاصرة تتناقض مع تطلعات الشعب الكردي وحقوقه.
ومع ذلك، فإن العدالة التاريخية الحقيقية تكمن في إلغاء آثار اتفاقية سايكس–بيكو الجائرة، والعودة إلى صيغة تضمن الاعتراف بالهوية الكردية وحقها في إدارة شؤونها ضمن نظام ديمقراطي تعددي.
فإذا ما أُعيد العمل بروح الميثاق الملي الذي يوحّد على الأقل ثلاثة من أجزاء كردستان التاريخية، فإن ذلك سيشكّل خطوة تاريخية نحو تصحيح ظلمٍ عمره قرن كامل.
إن أي تحالف حقيقي ونديّ بين شعوب المنطقة – تركية كانت أو كردية أو عربية – ينبغي أن يقوم على مبدأ المساواة والاحترام المتبادل، لا على الإخضاع أو التبعية. وعندها فقط يمكن الحديث عن شرق أوسطٍ يسوده السلام والعدالة.
ولعل الرؤية التي طرحها المفكر الكردي عبدالله أوجلان حول “تحالف الشعوب ومبادرة المجتمع الديمقراطي” تمثل أرضية فكرية يمكن البناء عليها لتحقيق هذا الهدف. فبقدر ما تكون العدالة شاملة لكل الشعوب، بقدر ما تكون الحرية ممكنة للجميع.