مخيم اليرموك:ظلال في الزقاق
- مقالات ثقافية
- 06 أبريل 2025
-
10 مشاهدة
في سنوات مضت، عندما كانت الأيام تعيش على حافة الخوف والقلق، كان مخيم اليرموك مكانًا تتناثر فيه الحكايات، ولكل زاوية فيه قصة لم تكتب بعد. كان المخيم بمثابة مرآة لعصرٍ من التوتر والألم، لكن في زاوية صغيرة، حيث تختبئ الأرواح المتعبة خلف جدران صغيرة، كانت الحياة تستمر، مثلما يستمر الزمان.
في عام 1982، استأجرنا شقة صغيرة في المخيم. كنا ستة رفاق من أصول كردية، نناضل من أجل قضية أكبر من أنفسنا. لم نكن نعرف ما يخبئه لنا المستقبل، ولكن كنا نعيش كل لحظة وكأنها قد تكون الأخيرة. الشهيد إسماعيل، الشهيد عمر إبراهيم، نزار يوسف، الشهيد حسين شاويش، أمين حسين، وأنا.
عشنا في ظل القلق المتواصل. كان النظام يراقبنا في كل زاوية، وعيناه ترقبنا من بعيد. كانت مظاهرات المخيم لا تتوقف، تصاعدت الخلافات بين منظمة التحرير والنظام السوري، واندلعت صراعات كانت تزرع الخوف في قلوبنا جميعًا. في إحدى الليالي، وبعد أن قضيت وقتًا مع صديقي صالح نمر في ركن الدين، عدت إلى المخيم بعد منتصف الليل.
كان الشارع الرئيسي هادئًا في البداية، ولكن سرعان ما شعرت بشيء غريب. تجمعات صغيرة من البشر هنا وهناك، كانوا يتنقلون بخفة، ولكنني أدركت على الفور أنهم من المخابرات. لم يكن هناك وقت للتفكير، فبدأت أهرول بسرعة نحو شقتنا في الزقاق الضيق. كنت أعلم أن أي خطوة غير محسوبة قد تكون النهاية.
وصلت إلى الزاوية التي تؤدي إلى مدخل البيت، وهناك رأيت شيئًا لم أكن أتوقعه: رجل مسلح يقف أمام الباب، وسلاحه موجه نحو الداخل. في تلك اللحظة، شعرت بشيء غريب يمر في جسدي، فقررت أن أعود مسرعًا إلى الشارع العام. لم أجرؤ على الركض، حتى لا أثير الانتباه. كنت في وضع لا يسمح لي بالخطأ.
لكنني تذكرت مكانًا آمنًا، كان دائمًا ملاذًا لي في أوقات الخطر: فرن الحي. دخلت الفرن بحذر، وكان هناك بعض الناس ينتظرون دورهم. كانت لحظة قصيرة، ولكنني جمعت شجاعتي وقررت أن أعود لاستكشاف المكان مرة أخرى.
عدت بهدوء إلى الزاوية، وكأنني أرقب الظلال التي تتحرك. أخرجت رأسي ببطء، وإذا بالرجل المسلح ما زال واقفًا في مكانه. كنت على وشك العودة، لكن الذاكرة قد أخبرتني بشيء آخر. تذكرت الشجيرة التي كانت بالقرب من المدخل. التفتُ، ورأيت الشجيرة فقط، اختفى الرجل المسلح. كان هذا بمثابة إشراقة أمل في لحظة من الظلام.
فتحت الباب، ودخلت إلى الشقة بهدوء. كانت الأوراق تنتظرني، بعضها مكتوب بالتركية وبعضها الآخر مترجم إلى العربية. كانت تلك الأوراق تحمل أفكارًا وأحلامًا لا تنتهي، لكنها أيضًا كانت تحمل مخاطر قد تفضي بنا إلى المجهول.وفي ذلك اليوم، بدأنا في انتظار المداهمات، كلما اقترب الليل، كنا نعيش في حالة من الترقب المستمر. وكأن كل زاوية من المخيم كانت تحمل أسرارًا، وكل حجر كان يحمل ذكرى. لكننا استمررنا في حياتنا، في ظل المخاوف والأمل الذي لا يموت، في مخيم اليرموك.