المقالات

المقالات

وقفة الكردي بعد ألف كبوة: رسالة إلى العقلاء من الإخوة العرب

Hussein Omar
  • 102 مشاهدة view

إلى كل صاحب ضمير وعقلٍ راجح بين إخوتنا العرب، نكتب اليوم ليس من باب الشكوى، بل من باب المصارحة التي تفرضها علينا جراح التاريخ وضرورات المستقبل.لقد مرت عقود طويلة من التهميش الممنهج، عانينا خلالها من سياسات حاولت طمس هويتنا ومنعنا من أبسط حقوقنا الإنسانية، حتى التحدث بلغتنا الأم. ورغم عمق الألم، كنا في كل مرة نمد لكم يد الأخوة، أملاً في مستقبل مشترك قائم على الاحترام والعدل.وعندما ساد منطق التوحش وعادت الجاهلية بثوبها الجديد لتضرب دياركم، لم تجدوا لكم مدافعاً أميناً في العديد من المناطق سوى الكرد. في الوقت الذي عجزت فيه جيوشكم وكتائبكم المسلحة – سواء كنتم مع النظام البائد او الحالي أم ضدهم – عن الصمود أمام وحشية أبناء جلدتكم الذين هرعوا حاملين سيوف التطرف لذبح مستقبل المنطقة، كنا نحن خط الدفاع الأول عن الإنسانية في مناطقنا والمناطق التي نتشارك العيش فيها معكم.في غمرة الفوضى، غرقت المنطقة في مستنقع الاستقطاب الطائفي. تحولت الثورة إلى حرب مذهبية، وظهرت عشرات الكتائب التي رفعت راية الدين لتمرير أجندات ضيقة، فتقوقعت الطوائف والمناطق على ذاتها. وحدهم الكرد حاولوا النأي بأنفسهم عن هذا الصراع العبثي، ليس خوفاً من المواجهة، بل خوفاً من غدر النظام من جهة، وغدر كتائبكم التي حملت راية الله نفاقاً من جهة أخرى.وعندما أراد المواطن الكردي أن يحمي أهله وبيته ويحافظ على ما تبقى من أمان، تحولت أنظار تلك الفصائل إليه، وسعت لتحويله إلى عبدٍ من نوع آخر، خاضع لسلطة جهلها. كانت الهجمة الوحشية على “سري كانيه” (رأس العين) هي الشرارة التي كشفت النية المبيتة لاضطهاد الكرد بثوب جديد. فبعد أن كان محروماً من حريته وكتابة اسمه بلغته، حاولت تلك الجماعات فرض عاداتها الجاهلية وسلوكها الوحشي عليه.لكن هذه المرة، رفض الشعب الكردي الخضوع. كانت حادثة إنزال العلم الكردي في “سري كانيه” والعبارة المهينة التي أطلقها أحد المنتمين لـ “أحرار الشام”: “لو كنتم رجالاً لحررتم أنفسكم”، بمثابة صفعة أيقظت العزيمة في قلوب الشباب، وفتحت أعين الكثيرين ممن كانوا مخدوعين بشعارات تلك الكتائب.لقد استيقظ الكردي من سباته الطويل ليبدأ بتحقيق حلمه بالحرية والكرامة. ومع كل خطوة يخطوها، وكل قرية يحررها، لا يزال يمد يده للشراكة والأخوة معكم. إنه اليوم يحرر أرضه من وحوش التطرف، وفي الوقت ذاته يحرركم أنتم أيضاً من قبضتهم ومن العقلية الجاهلية التي تحكم مناطق نفوذهم، إن كنتم حقاً راغبين في ذلك. إن الشعب الكردي، الذي ذاق مرارة الاضطهاد، يحاول اليوم أن يساعدكم على استعادة إنسانيتكم التي أهدرتها تلك الكتائب والنظام الذي انتهت صلاحيته.ولكن ما يحز في النفس هو تلك الأصوات الشاردة التي ترتفع عقيرتها بالاتهام والتشكيك، خوفاً من طلاب الحرية الذين يقدمونها لكم مجاناً بتضحيات أبنائهم. يبدو أن التعايش مع التوحش الجاهلي أهون على البعض من قبول مدنية وتحرر يقودهما الكرد. وهنا يكمن جوهر العقدة الثقافية المتجذرة ضد هذا الشعب؛ فأنتم لا تقبلون به إلا تابعاً مسالماً، يجلد ذاته في سبيل رفعتكم.هذا الزمن قد ولّى. لقد استيقظ المارد الكردي بعد سنوات طويلة من الصبر، وهو اليوم يصنع حريته بنفسه، ويقدمها لكم أيضاً، لا لينتظر منكم مقابلاً، بل لأنه يعتبر ذلك واجبه الإنساني تجاه شركائه وجيرانه.نعرف جيداً أن الكردي سيبقى في نظر البعض “انفصالياً” حتى لو تكلم العربية بطلاقة، وأنتم تعرفون في قرارة أنفسكم أن الكردي لا يغدر بمن عاهده وصادقه. ورغم ذلك، فإن محاربة البعض لنا، ونشر البعض الآخر لخطاب الشك والاتهام ضد القوة الوحيدة التي أثبتت قدرتها على دحر الإرهاب، هو واقع مزرٍ تتخبطون فيه.لقد حان الوقت لتقبل الآخر كما هو، واحترام إرادته وخياراته. حان الوقت لمصافحة اليد الممدودة بصدق.سئمنا اتهاماتكم التي تدفع بالشباب الكردي دفعاً نحو التشكيك بمقولة “العيش المشترك”، وتفقدهم الثقة بكم كشركاء في المستقبل. إنكم بهذه الطريقة تدفعونهم نحو ردة فعل قد تكون عنصرية، وهي صفة غريبة عنهم، فقط كي يحموا ذواتهم من هجومكم غير المبرر.لنتفق أننا جميعاً نمر بمرحلة تاريخية جديدة، تغير فيها كل شيء، وتبدل فيها اللاعبون. فإما أن نبني معاً مستقبلاً يليق بنا وبأبنائنا، أو نغرق جميعاً في رمال الماضي المتحركة، وانتم من تقررون كيف تريدون العيش، هل ترغبون باستمرارية الصراع والمعارك ،هل تريدون الاستمرارية في سفك الدماء ورفض السير نحو المستقبل الذي لن يكون، آمنا الا بالعيش المشترك والمساواة في الحقوق والاعتراف المتبادل بخصوصيةالكرد وحقهم في الادارة والمشاركة في صنع القرار.